إناس صافي هي عالمة فيزياء نظرية بارزة وباحثة أولى في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي (CNRS)، وتحظى بتقدير عالمي لإسهاماتها الريادية في فيزياء الكم. تخرّجت من المدرسة متعددة التقنيات (École Polytechnique)، وتحمل درجة الدكتوراه وتأهيلًا للإشراف على البحوث من جامعة باريس ساكلي.
قدّمت مقاربات نظرية ثورية في مجال النقل الكمومي داخل الأنظمة النانوية المترابطة بقوة، مما فتح آفاقًا بحثية جديدة وألهم تجارب علمية لدى فرق دولية رائدة، مستفيدة من التقدم السريع في تكنولوجيا النانو. ومن أبرز مساهماتها توقع ظاهرة تجزئة الشحنة، حيث تنقسم الإلكترونات فعليًا إلى شحنات جزئية عند حصرها في بعد واحد. كما طوّرت مصفوفة تشتت البلازمونات، وهي حالات شحن جماعية داخل أنظمة الإلكترونات المتفاعلة، تشبه الفوتونات في طبيعتها. وقد أسهمت هذه التطورات بشكل عميق في ظهور مجال البصريات الكمومية للإلكترونات، لا سيّما ضمن سياق تأثير هول الكمومي.
جرى اعتماد مفاهيمها واختبارها تجريبيًا على نطاق واسع، من قبل فرق مثل: أمير يعقوبي وبيرتراند هالبرين في جامعة هارفارد، وفريق فوجيساوا في جامعة طوكيو، وفريق غوندال فيف في المدرسة العليا بباريس، وأندريا يونغ في جامعة كاليفورنيا، سانتا باربرا.
ومنذ عام 2004، طوّرت قوانين كمومية تحكم سلوك الإلكترونات في الموصلات الكمومية داخل الدوائر الكهربائية، مقدّمة بدائل للقوانين الكلاسيكية مثل قانون أوم، الذي ينهار في هذه الأنظمة. وفي إنجاز نوعي آخر، أظهرت أن الدائرة الكهربائية يمكن أن تعمل كمحاكي كمومي لنظام تفاعلي أحادي البعد—وهو مفهوم حفّز نشاطًا نظريًا واسعًا وثبته تجريبيًا فريق فريديريك بيير في C2N باريس ساكلي، ثم طوّره فريق غليب فينكلشتاين في جامعة ديوك.
كما وضعت نظائر في الأنظمة غير المتوازنة لـ مبدأ التبدد والتقلب، والذي يربط عادةً بين التقلبات والمتوسطات في حالة التوازن، لكنه ينهار خارجه. وتنطبق علاقاتها العامة خارج التوازن على طيف واسع من الأنظمة، مثل وصلات جوزيفسون (الواجهات بين الموصلات الفائقة التي يمكن أن تعمل ككيوبتات)، وتمتد إلى منصات تشمل الذرات الاصطناعية المقترنة بتجاويف ضوئية. وقد تم تضمين هذه النتائج في مقررات الماجستير في باريس، وتبنّاها باحثون يعملون في مواضيع متنوعة مثل تأثير كوندو ونقل الشحنات في جزيئات الحمض النووي. وتظهر هذه العلاقات أيضًا في كتاب لعالم الفيزياء النظرية المعروف يولي نازاروف، كما تم تأكيد بعضها تجريبيًا من قبل فريق كوانترونيكس في CEA.
وفي مجال تأثير هول الكمومي الكسري، الذي يتنبّأ بتشكّل جسيمات شبهية ذات شحنة كسرية وإحصاءات غريبة (أيونية)، قدّمت صافي مساهمات مفصلية. ففي عام 2001، كانت أول من اقترح—رفقة زملائها—تجربة فكرية لاستكشاف تلك الإحصاءات غير التقليدية. ومنذ عام 2010، طوّرت تقنيات قوية غير معتمدة على النماذج، تستند إلى علاقاتها العالمية لتحديد الشحنة الكسرية، وقد تم تطبيقها بنجاح في تجارب أجراها فريق كريستيان د. غلاتلي في CEA ساكلي، وفريق غوندال فيف في ENS باريس.
بعيدًا عن أبحاثها العلمية، تُعدّ إنِس صافي من أبرز المدافعين عن الحوار الثقافي، والنسوية، والتفاعل بين العلم والفلسفة والتقاليد الروحية في الإسلام. شاركت في تأليف ثلاثة كتب تناولت هذه القضايا، وتشغل عضوية المجلس العلمي لمركز تيار دو شاردان في باريس ساكلي.
عملت سابقًا أستاذةً في مدرسة سنترال بالدار البيضاء، وهي الآن باحثة مشاركة في جامعة محمد السادس متعددة التخصصات (UM6P) بالمغرب، حيث تربط بين البحث الأكاديمي والانخراط المجتمعي. وهي أيضًا عضو في مركز تيار دو شاردان بباريس ساكلي، وظهرت في منصّات إعلامية مثل Le Monde وLa Recherche، وعلى منابر دولية.
تجسّد مسيرتها مزيجًا نادرًا بين الدقة العلمية والرؤية الإنسانية، وتبرهن على قدرة العالِم على تجاوز حدود التخصصات لنسج روابط عميقة بين قوانين الطبيعة وأسئلة الوجود الإنساني.